في موسم الخير وشهر البركة والعبادة والحسنات والصدقات شهر رمضان ، خطر على بالي سؤال كبير عن أداء فريضة الزكاة علينا كأفراد ومحبين للخير ، ألا وهو هل الزكاة عبء أم رسالة ؟
بمعنى هل نتخلّص منها بالدفع لأقرب جمعية خيرية أو حتى بالبحث الشخصي - حتى وإن بدا بحثًا جادًا - عن المستحق ؟
هنا بتقديري تكون الزكاة عبئاً يسعى دافعها للتخلص منه .
لكن فريضة الزكاة في حقيقتها رسالة بهدف كبير ، بل مجموعة أهداف اقتصادية واجتماعية وأمنيّة الخ وعبادة وطاعة لله قبل ذلك وفي كل الأحوال .
الطريقة التي يدفع بها الكثير منّا زكواتهم هي أقرب ما تكون للتواصل الاجتماعي والجرعات المسكّنة فقط ، لا التي ترتقي بالمحتاج الى سلّم الانتاج والاستغناء ، بل إلى أن يكون دافعاً لها لا مستحقاً لها .
تشتيت هذا المورد بالطرق التقليدية ( كل بمعرفته أو للإطعام ومشاركة العاملين عليها بجزء منها ) كل ذلك أظنّه يلغي أو يضعف الأثر المأمول من هذه الفريضة الرائعة في المجتمع .
إن جمعها في صندوق واحد ( وهنا أقصد بوضوح زكاة الأفراد لا التي يؤديها التجار الى هيئة الزكاة المعروفة ) يجعل منها موردًا كبيرًا يؤهل لعمل برامج ومشاريع كبيرة وتدريب ونافذة رائدة في التنمية البشرية لصالح مستحقيها في أي مجتمع ، ومن البديهي القول بشرط إدارتها باحتراف وأمانة وإخلاص .
وبهذا أدعو إلى أن توجه الصدقات والكفّارات والتبرعات الى الجمعيات الخيرية المتعددة الأغراض وهي بلا شك تؤدي أدوراً جليلة وهامة في المجتمع ، لكن الجانب التنموي الذي يهدف لإصلاح أحوال الأسر والأفراد بشكل دائم ونقلهم من العوز الى الاكتفاء ويحمي المجتمع من مخاطر الفقر الكثيرة ، فالزكاة هي الأقرب اليه والأجدر بالتصدي له ، باعتبارها فريضة وركناً واجبًا ليست تبرعاً عابراً يخضع لاعتبارات نفسية أو عاطفية مؤقتة ، وبالتالي دفعها لهذا الصندوق .
ومن جمال الزكاة انها في الأموال وليست في الأشخاص كما في زكاة الفطر ( وهذا ما يجعلني أقول أنها ليست عبئاً على الانسان لمجرّد مضي مدة ما عليه وأيضا لأن الله خلق الناس متساوين في خلقهم بينما هم مختلفين في واقع إمكاناتهم وفي هذا عدل في مقدار الالتزامات )، بمعنى أنها تجب في الأموال المنقولة والثابتة المعدّة للتجارة ( وفق تشريع معلوم ) شاملة لكل القطاعات ، وحتى المحبوسة عن العمل والاستثمار ، وهذا ما يعطيها الديمومة وبلوغ الهدف دون خوف انقطاع الموارد للبرامج التي تتبناها وتلتزم بها صناديق الزكاة ، ولا بأس من التوسع والتنافس مع الجمعيات الخيرية في اجتذاب الأوقاف والتي هي أقرب في صفتها واستمراريتها الى النظر اليها كرسالة لتحقيق أهداف جليلة لا بالمعنى المؤقت أو المحدود ، بل هي المعنى المفهوم والأقرب كما أظن للصدقة الجارية .
عليه فإن وجود صندوق رسمي مرخّص في كل مجتمع لفريضة الزكاة المتعلقة بالأفراد يتولى جمعها / استقبالها وإدارة استثمارها وتوزيعها لتحقيق مصالح الفئات الداخلة في الاستحقاق أو اقتصارها على بعضهم - كما هو حاصل غالباً للفقراء والمساكين - يؤدي الدور المقصود بالزكاة كرسالة وليست عبئاً يحرص البعض أو الكثير على سرعة التخلص منه كما هو ملاحظ ، دون إدراك لقيمة الفرصة المهدرة وتفويت مقاصد هذه الفريضة العظيمة حقًا .
ولا شك أن وجود أموال ضخمة منفصلة عن دافعيها ومستحقيها مما يغري بسوء التصرف أو التعدي عليها لا سمح الله من بعض ذوي النفوس المريضة والذين قد يكونون في مظهر المخلص والنزيه ، بل و ممن تبدو لديه القدرة على المساهمة في تنفيذ برامجها ومشروعاتها ، لأن المال السائب له جاذبية تطيح حتى بالنفوس الكبيرة أحياناً ، ولهذا يجب توفير النظم والضوابط الدقيقة للحفاظ على هذه الأموال ومراقبة استخدامها واستثمارها بأفضل ما يمكن من خلال مختصين بالمحاسبة والمراجعة ومكاتب مهنية مستقلة ، وهذه المراقبة والضبط في الادارة والإفصاح عن النتائج السنوية ستؤدي بكل تأكيد الى ثقة الأفراد والمجتمع والجهات الرسمية بالجهاز مما سيزيد الموارد وييسر تحقيق الأهداف جميعها أو اغلبها وبسرعة كبيرة .
والله من وراء القصد والهادي الى سواء السبيل.
كتبه: عقل الضميري
التعليقات 1
A3rabee
16/05/2020 في 1:41 م[3] رابط التعليق
نعم االرؤيه ممتازة وهيليست خارج إطار ٢٠ _٣٠واتمني ان يُقيَض لها من يتبناها.