صادف في هذه الأيام أنني قد اقتنيت كتاب «الغوريلا الخفية» وقرأته، وهو كتاب مترجم صادر عن دار صفحة سبعة، ويتحدث عن الأوهام اليومية التي تُقيّد العقل دون أن نشعر بذلك، «وكيف يعقل أن نكون مخطئين تمامًا وبشكل قاطع في حين أننا مؤمنون جِدًّا بأننا على صواب»؛ بسبب قدراتنا الذهنية وتأثرها بالظروف المحيطة بها، «وإدراكنا النمطي لدرجة استنباط المعاني من المصادفات!»
ومن بين الأوهام التي قد نقع فيها، ما يسمى «بوهم السبب»، وهو بالضبط ما يحدث الآن للكثيرين المهتمين في إيجاد العلاقة والأسباب التي تجمع بين فيروس كورونا منذ ظهوره، وجميع ما يحدث في العالم مصادفة أو غير ذلك، ومحاولة الربط بينهما عنوة، وبالتالي خلق معنى يتسق والتصور النمطي، مُريحًا للنفس، ولو على حساب المنطق، والإرشادات والمعلومات الرسمية.
غير أن الأمر لم يقف عند حد خلق المعنى المتسق مع التصور النمطي فحسب، بل إن وهم السبب قد يتطوّر إلى أبعد من ذلك، وهو ما حدث فعلا حين خالف الكثيرون، في مجتمعنا ومجتمعات أخرى حول العالم، التعليمات الرسمية الصادرة عن وزارات الصحة والمنظمات الصحية، مدفوعين بأوهامهم، في كل المراحل التي مررنا بها منذ بداية فيروس كورنا، وحتى مع بداية حملة التطعيم مؤخرًا، فإن هنالك من وقف على خلاف التوجيهات الطبية، ورفض اللقاح خشية منه؛ دون أسباب حقيقية، فقط لمجرد توهمه أن لديه ما يكفي للرفض، في الوقت الذي يدرك فيه تمامًا خطورة هذا المرض!
إن وهم السبب ظاهرة نفسية، وكما جاء في الكتاب هي «تطوير الاعتقاد بوجود علاقة سببية بين حدثين لا علاقة لهما في الواقع»، كالربط بين ظهور المرض والصراعات السياسية، أو بين اللقاح ووقت الإعلان عنه، أو بين تصريحات أحدهم ومكونات اللقاح.. هكذا ومن خلال «الاعتقاد أن الأحداث السابقة تسببت في الأحداث التي تلتها»، يعمينا وهم السبب عن حقيقة الكثير من الأمور التي تدور حولنا، ويمنعنا عن النظر إلى الأشياء كما هي، على النحو الذي قد يجعلنا نحمّلها كل ما يُحتَمل باستثناء أن تكون قد حدثت بعفوية وطبيعية.
صحيح أن لكل شيءٍ استثناءات، ووهم السبب لا ينطبق على جميع الأمور من حولنا، لكن حين نرى من يبحث بعيدًا غير مكتفٍ بالمعلومات والتصريحات الصادرة عن الجهات الرسمية، والمنظمات العالمية، خاصة الصحية، فيما يخص فيروس كورونا تحديدًا، وكأنه يبحث عن المؤامرة التي من خلالها تعودنا تفسير
معظم الأمور! فهذا هو بكل تأكيدٍ ما نتحدث عنه. وحين يُقبل الكثيرون على أخذ جميع اللقاحات، لأطفالهم أو لهم، بما فيها الأنفلونزا الموسمية وغيرها، المعتمدة من نفس الجهات التي تعتمد لقاح كورنا، ويتم رفض هذا الأخير بلا مبرر طبي، فقط لأن الذي يرفض اللقاح واقعًا تحت تأثير ربطه لعدة أمور ببعضها؛ مرتكزًا على ما يتم تداوله في وسائل التواصل، والمصادر غير الرسمية، فإن هذا هو وهم السبب بلا شك.
كتبه: أحمد خلف الجميد