هذا الفتى المظلوم اعرفه جيدا هزيل البنية حافي القدمين يسكن في قرية تبعد كثيرا عن المدينة التي تقع فيها المدرسة الوحيدة بالمنطقة يذهب اليها كل يوم ويعود سيرا على اقدام حافية.
وحينما تهطل الأمطار يغير مساره ليتجنب الوحل والمستنقعات فيتأخر قليلا عن طابور الصباح فتكون الفلكة بحبالها وعصيها في انتظاره، حبالها تجرح الساقين
وخشبتها تحز العرقوبين والخيزرانة بيد الجلاد.
والفلكة مادة اساسية من مواد التعليم في ذلك الزمن الأغبر زمن الفلكة التي كلما تناولت وجبتها الصباحية اناخت بكلكلها على جبين الجدار فيكاد الجدار ان ينهد.
تستقبل الطلاب بوجهها القبيح وتودعهم بالتهديد والوعيد لليوم القادم الجديد حينما تربط ساقي الطفل وترفع خفيه وتنكشف مؤخرته أمام حشد من الطلاب
وتسيل الدماء من خفي رجليه وهذا الجلاد اللئيم يمارس تنفيذ احكامه بكل قسوة دون وازع من ضمير او خوف من البشر ورب البشر. قليل من الطلاب يضحكون والأكثرية منهم يبكون رأفتا بزميلهم وهم يعلمون أن الدور القام عليهم لامحالة يمارس التعذيب والانتقام من اطفال حفاة شبه عراة ليس لهم ذنب لا من قريب ولا من بعيد ببلواه التي حلت به المحضوض منهم تناول كسرة خبز من الشعير قبل حضوره للمدرسة والاغلبية اتوا وبطونهم خاوية. لم يبق في ذاكرة الفتى متسعا لتخزين ماهو مفيد لكنها مليئت رعبا والخوفا من الانتقام بسبب ودون سبب يشجعه الآباء ليكون جلادا مفوضا حينما يحضرون ابنائهم للمدرسة ويقولون ( يا استاد ) لنا العظم ولك اللحم فيمسك (الاستاد) من الحبل علاقة ويوغل في غيه وطغيانه. فطرق الفتى جميع الأبواب لعله يجد من يحميه من هذا العذاب فيجدها موصدة في وجهه الا باب واحد قد يكون فيه الخلاص وهو باب الهروب.
فشمر عن ساقيه وأطلقهما للريح وغادر المدرسة دون وداع وفضل امتهان رعاية الغنم والعيش بالبراري وحيدا يهتم بخدمة القطيع ويتنفس الحرية والسير حافيا بين الافاعي والثعابين ينظر اليها على ان انيابها ارحم من انياب الفلكة.
نهارات راعي الغنم تتمطىى وشمسه تقصر الخطى وعذابات نهاره لاتعفيه من عذابات ليله الطويل ينافح الظواري ويسامر النجوم في جوف الظلام
تبخرت احلامه وجفت مئاقيه اخذ يتعامل مع القطيع بالحجارة مثلما كان يفعل صاحب الفلكة. وفي آخر زيارات شقيقه ابدى امتعاضه من احوال القطيع وتلفظ بالفاض ترقى لحد الشتيمة. هنا تبدت الحقيقة أمام عينيه وايقن ان معاناته ليس لها مردود سواء الشتيمة واختها فتظخمت القشة التي قصمت ظهر البعير فقصمت ظهور كثيرة. حدث نفسه وحدثته وقالت عليك بالهروب الثاني فلم يعصى لها امرا ولم يسأل إلى أين فأطلق ساقيه للريح مرة أخرى متجها الى المدينة وامتطى ظهر الحمالية التي اخذته إلى حيثما شاءت الأقدار لايحمل درهم ولا دينار ومضى في سبيله دون أن يلتفت إلى الخلف وبه شوق لكلبه الوفي.
فوجد الحظن الدافي بين افراد الجيش العربي السعودي واستقر به المقام في مدينة الخرج وبعد حين اتى زمن الغيث فرفع ولاة الأمر راية التعليم للجميع
انتظاما وانتسابا أو من المنازل وفتحت المدارس الليلية للكبار ودخل الفتى المدرسة الليلية وحصل على الشهادة الابتدائية التي اهلته للحصول على وظيفة بالرياض ولم يتوقف عن التعلم وتدرج بالترقيات وطاف البلاد عرضا وطولا.
في اواخر القرن الهجري الماضي قاد ولاة امر هذه البلاد المباركة والمخلصين من ابنائها موكب التحديث والتطوير والتنمية الشاملة في جميع الميادين وفي جميع المناطق وأصبحت البلاد من ارقى بلدان العالم.
بعد غياب عشرات السنين صحى الحنين بداخل الفتى إلى قريته فعاد اليها فوجد قريته قد أضحت مدينة، في نهاية المظمار غادر الميدان تغير الزمان ولم يتغير المكان اتخذ له مكانا قصيا غرس اغراسا لها طعم ورائحة ولها ظل ظليل تسقى بماء سلسبيل يأوي اليها بين حين وحين ينظر إلى اغراسه بعينيه ويحييها
ويشعر انها تراه بروحها وترد له التحية باحسن منها. وجد نفسه بعد طول غياب يداه نظيفتان وجعبته خالية من الشوائب. وهكذا هي الحياة حلقات في مسلسل يطول ويقصر لن تعاد عرض حلقاته مرة أخرى.
كتبه: فلحي بن عايد الفلحي
التعليقات 1
أحمد ضافي البدر
11/02/2021 في 12:53 م[3] رابط التعليق
السلام عليكم
ماشاء الله تبارك الله
قصة جميلة جداً يا خال
والأجمل منها هو بطل هذه القصة
أطال الله في عمره على الطاعة
ومتعه الله بالصحة والعافية .
اختصرت الكثير من قصة هذا البطل
وأنا على يقين لو أردت كتابة القصة كاملة
لاحتجت الى كتاب كامل أو أكثر .
سلمت يداك وبانتظار المزيد من جمالياتك 🌹.